لا يعترف بالفضل لأهل الفضل إلا ذووه

لا يعترف بالفضل لأهل الفضل إلا ذووه
عزالدين علام*

بداية تجدر الإشارة إلى أنه ليس من اللياقة في شئ التطاول على هامة سامقة من مستوى المفكر الكبير أستاذنا فهمي هويدي...والذي أصبح ومنذ مدة طويلة من المراجع، ليس فقط لكثير من الحركات الإسلامية في مختلف أنحاء العالمين العربي والإسلامي، ولكن أيضا مرجعا للحركة الإسلامية الأم –على المستوى العالم العربي على الأقل- أعني بها حركة الإخوان المسلمين بمصر.
بل هو محط احترام وتقدير من كل الإسلاميين المتنورين الديمقراطيين سواء في أرض الكنانة أو خارجها...إضافة إلى أنه ما يزيد ما يكتبه السيد هويدي تألقا وأهمية...هو نهل غير الإسلاميين،العلمانيون الديمقراطيون،من معينه.
وهنا،وبالمناسبة،وباسم جميع أخواتي وإخوتي في البديل الحضاري،أقف له احتراما على ما سبق له أن قاله عن تجربتنا في حوار له بجريدة "الشرق الأوسط"،حيث قال بالحرف – حسب ما لازالت تحتفظ به ذاكرتي- ...إن ما أدعو إليه لم يعد حبيس الكتب بل أصبحت هناك نماذج عملية له على الأرض كتجربة البديل الحضاري بالمغرب...).
إن الانتقاد الذي وجهه لشعار "الإسلام هو الحل"،واستقرائه-الممزوج بالتخوف-لمستقبلٍ قد نصبح فيه أمام نقيض هذا الشعار،إن فشل من يرفعونه بأجرأته على الأرض حين وصولهم إلى الحكم..هو انتقاد وجيه من عدة أوجه،منها:
** بداية نسجل أن كثيرا ممن كانوا يرفعونه هناك في المشرق قد تراجعوا عنه
** في حالة وصول إسلاميين إلى الحكم تحت يافطة هذا الشعار،بسبب تجذّر حب الإسلام في وعي الأمة،حتى لا نقول(في لاوعيها)،من جهة وبسبب فقدها الثقة في تجارب أخرى غير إسلامية بعد فشلها في الحكم...وفشلهم هم كذلك في إدارة دواليب الدولة المعقدة وعدم قدرتهم على إقامة العدل... بين الناس،وهذا وارد إما لأسباب ذاتية أو موضوعية بفعل تراكم المشاكل والمطبّات والملفات العفنة...التي خلفتها الأنظمة المستبدة بعد عقود من حكمها،أو هما معا،نعني الذاتي والموضوعي،دون أن ننسى مقاومة هذه الأنظمة،عن طريق أتباعها ("الفلول" بلسان إخواننا المصريين) المستفيدون من ريع تلك الأنظمة الفاسدة.
إضافة إلى الكيد بالليل والنهار ووضع العصي في عجلة الحراك الديمقراطي من طرف كثير من العلمانيين،الذين كنا نعدهم في الصف الديمقراطي من كثرة ما كانوا بالأمس القريب يتشدقون بالحديث الممجوج عن الديمقراطية واحترام خيارات الشعوب...لكن لما اختارت هذه الشعوب غيرهم انقلبوا على الخيار الديمقراطي وراحوا يتآمرون على من اختارتهم الشعوب، في أول انتخابات حرة ونزيهة يعرفها العالم العربي منذ الاستقلال،غير متورعين عن التحالف من أجل ذلك مع بقايا الأنظمة المخلوعة،بل منهم من عاد يستنجد بالعسكر ويتوسل إليه بكل الطرق والوسائل ليعود لإمساك دفة الشأن السياسي بالبلاد/كثير من علمانيي مصر نموذجا.
دون أن نستبعد العوامل الخارجية،كحيلولة قوى الاستكبار العالمي بين هذه التجارب الإسلامية ونجاحها مثلا.
ففي حالة وقوع هذا الفشل،وهو وارد للأسباب التي ذكرنا وغيرها،لا نتمناه سواء للإسلاميين أو لغيرهم من يساريين ديمقراطيين أو لبراليين ديمقراطيين،عند اختيار الشعوب لهم،لأن الضحية أولا وآخرا لفشل أية تجربة أنّا كانت مرجعيتها،هي أمتنا وشعوبنا،وهذا ما لا نرضاه..في حالة وقوع ذلك ألا يترسخ في أذهان العامة أن "الإسلام"،الذي وصل برفع شعاره هؤلاء إلى الحكم،هو المشكل؟ !!
ألم يصبح "الإسلام" هو المشكل في نظر كثير من المسلمين وغير المسلمين،بمن فيهم كثير من المثقفين،بسبب ما عاثت فيه طالبان فسادا في أفغانستان حينما وصلت للحكم تحت ذات الشعار؟؟ !!
** هناك تجارب كثيرة في عالمينا العربي والإسلامي وصلت للحكم باسم تطبيق المشروع الإسلامي..ضياء الحق بباكستان – عمر البشير/حسن الترابي بالسودان،وقبلهما:النميري/حسن الترابي – محمد مهاتير بماليزيا – حاليا:الإخوان في مصر ، النهضة في تونس...
وكل مشروع من هذه المشاريع لا يشبه المشروع الآخر،بل قد لا نجد نقط تقاطع بين بعضها،مما ينقدح بالضرورة في أذهان الكثيرين،خصوصا البسطاء منهم،أننا أمام أكثر من إسلام واحد.
مما تقدم:
يبدو أن لرأي المفكر الكبير فهمي هويدي- حفظه الله تعالى- من نقده للشعار السالف الذكر وجاهته.
مع توالي الأيام،وتطبيق كثير من التجارب التي تصدر عن المرجعية الإسلامية وتروم تطبيق ما درجت كثير منها على تسميته ب"المشروع الإسلامي"،واصطدامها بالواقع المعيش،تظهر أهمية السبق الذي حققه البديل الحضاري منذ عقدين من الزمن إلا نيف،من اعتباره أن مشروعه،بل مشروع كل تجربة صادرة عن المرجعية الإسلامية، ما هو إلا اجتهاد في دائرة الإسلام وليس هو الإسلام،وأنه ليس لأحد على وجه البسيطة – مهما بلغ من العلم- التحدث باسم الإسلام،لسبب بسيط أن من كان له الحق التحدث باسمه هو من كان يوحى إليه –عليه الصلاة والسلام-...وهكذا يكون ما ذهب البديل الحضاري إليه منطقيا يستصيغه العقل السليم،ويكون فشل تجربة ما في الحكم هو فشل لمشروعها وليس فشلا للإسلام،فيبقى الإسلام العظيم بنقاوته وطهرانيته...بعيدا عن كل التجاذبات والتقاطبات،وشبيها بهذا يحضرني موقف عالم الحرمين إمامنا مالك –رحمه الله-برفضه الإفتاء لأحد حكام بني العباس بهدم الكعبة المشرفة وإعادة بنائها من أجل ضم "حجر إسماعيل" إليها...فلما سأله-غالبا-أحد طلابه عن سبب امتناعه مستشهدا بحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم- لأمنا عائشة –رضي الله عنها-لولا أن قومك حديثوا عهد بالإسلام،لأمرت بهدم الكعبة لأدخل الحجر فيها) أجابه-رضي الله عنه-إنني أخشى أن تصبح الكعبة ألعوبة بين يدي الملوك/أو الحكام،أو كما قال/هذا يدخل الحجر وذاك يخرجه...
وبما أنه ليس من شيمنا التنكر لمن أخذنا عنهم،بل من الواجب ذكرهم بخير والدفاع عنهم والترحم على من مات منهم،يجذر بنا التنويه أن من بين مراجعنا في ذلك ما راكمه المفكر هويدي وغيره من علمائنا الأفاضل.
وعلى سبيل الختم نشير إلى أن جماعة الإخوان المسلمين هي نفسها قامت وتقوم بمراجعات لفكرها وأدبياتها ومواقفها من كثير من القضايا سياسية وغيرها،التي كانت تعد للأمس القريب أنها من الثوابت،ومن أبرزها موقفهم من تأسيس حزب سياسي والعمل من داخله...فبعد أزيد من سبعين عاما على قيام الجماعة أسسوا أخيرا حزب (الحرية والعدالة)..فهل المطلوب من البعض منا أن يكون إخوانيّا أكثر من الإخوان؟؟ !!
* أستاذ باحث